آمال أميركية بالعودة إلى «حرب الظل»: خيارات إيران تحت عدسة الغرب

ما بين نزق إسرائيلي وهدوء إيراني حيال عملية «أيام الرد»، لا تزال وسائل الإعلام تحاول سبر أغوار الهجوم الإسرائيلي على إيران، وما قد يترتب عليه من ارتدادات. وفي هذا الإطار، زعمت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الهجوم أدّى إلى تدمير 3 أنظمة دفاع جوي من طراز S-300، بما يشمل أنظمة رادارية، ومقطورات تحكّم وسيطرة مولجة بحماية أجواء مناطق حيوية، من بينها «مجمع بندر الإمام الخميني للبتروكيماويات» في محافظة خوزستان جنوب البلاد (الأهواز)، والذي يُعدّ الأكبر في البلاد، إضافة إلى الميناء الاقتصادي المجاور له، ومصفاة عبادان الواقعة في جنوب المحافظة، والتي تُعد أكبر مصفاة نفط في إيران، بطاقة تكريرية تُقدّر بنحو 360 ألف برميل من النفط الخام يومياً، ومصفاة أخرى تابعة لحقل غاز «تانجي بيجار» الواقع في محافظة إيلام غرب البلاد، فضلاً عن تعرّض موقعي بارشين وباراند ومراكز «فلق» و»شهيد غديري» و»عبد الفتح» لتصنيع الصواريخ، التابعة للحرس الثوري للقصف. ووفقاً لادّعاء مصادر رسمية إسرائيلية، تحدثت إلى الصحيفة، من دون الكشف عن اسمها، فقد جرى إلحاق أضرار جسيمة بالمنظومات المستهدفة، وتعطيل قدرة إيران على بناء الصواريخ إلى حد كبير، وهو ما نفته مصادر مسؤولة إيرانية، أكدت للصحيفة نفسها أن أضرار الهجوم كانت طفيفة، وأن تبعاتها السلبية (على قطاع التصنيع العسكري) قصيرة الأمد.
كذلك، توقّفت «نيويورك تايمز» عند المزاج الشعبي العام في إيران عقب الهجوم الإسرائيلي، لافتة إلى وجود «شعور من القلق وعدم اليقين» حول آفاق الوضعين الداخلي والإقليمي لدى البعض، وحالة من «التفاؤل الحذر» لدى البعض الآخر. وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن سهيل، وهو مهندس يبلغ من العمر 37 عاماً، ويقطن في مدينة أصفهان الواقعة وسط البلاد، إشارته إلى أن جميع زملائه في العمل، «كانوا يتحدثون عن الهجمات الإسرائيلية اليوم»، فيما يحدو عدداً منهم الأمل في «إمكانية تجنب حرب أوسع نطاقاً، بالنظر إلى حصر إسرائيل هجومها بأهداف عسكرية فقط»، قبل أن يعقّب بالقول: «يبدو أن الناس يأملون في أن تعود الأمور إلى طبيعتها قريباً». وفي الإطار عينه، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنّه، وبعد «وقت قصير من سلسلة من الانفجارات التي دفعت بعض المواطنين الإيرانيين للوقوف على أسطح منازلهم ومشاهدة أنظمة الدفاع الجوي لبلادهم، وهي تتصدّى للضربات الإسرائيلية، بدا أن الحياة في إيران قد عادت إلى طبيعتها، حيث ازدحمت الأسواق، وعادت حركة السكان والمرور في شوارع العاصمة، إلى وضعها المعتاد». وفي هذا السياق، أفاد دانيال، وهو مهندس معماري يبلغ من العمر 45 عاماً، ويقيم في مشهد، الواقعة في شمال شرق البلاد، بأنّه «لا يعتقد أن الناس قلقون في شأن فرضية حصول تصعيد»، مضيفاً أن حديث الجمهور بعد الضربة الإسرائيلية «تركّز إلى حد كبير على الطبيعة المحدودة للهجوم، فضلاً عن الاقتصاد، الذي يشكّل الهاجس الأول والأخير، بالنسبة إلى عموم الإيرانيين».
بين إيران وإسرائيل: حسابات الردّ على الردّ
وفي سياق الحديث عن الخيارات الإيرانية في وجه التصعيد الإسرائيلي الأخير، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه «في حال ردّت طهران، فهي تخاطر بالانزلاق نحو المزيد من التصعيد»؛ «وفي حال لم ترد، فهي تخاطر بأن تبدو ضعيفة في نظر حلفائها، وكذلك في نظر الشخصيات الأكثر نفوذاً وصقورية في الداخل»، بخاصة أولئك المنادين بامتلاك السلاح النووي. وأشارت الصحيفة إلى أنه «وأياً تكن الحسابات النهائية لإيران، فإن أملها في تجنب حرب أكبر، لا يعني بالضرورة أنها قادرة على ذلك»، مستدركةً بأن إيران «ربما تختار الاستجابة للنصائح الأميركية والبريطانية بإنهاء هذه الجولة من الضربات الانتقامية (المتبادلة مع إسرائيل)، على وقع تسارع وتيرة المفاوضات الجارية للعمل على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان».
وفي هذا الإطار، تقول مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد «تشاتام هاوس»، سنام فاكيل، إنّه «إذا كانت إيران تريد تلافي الوقوع في صراع أوسع نطاقاً، وبوتيرة تصعيدية أكبر، قبل الانتخابات الأميركية، فإنّه يتعيّن عليها أن تتحمل الضربة، وأن تخوض لعبة استراتيجية ذات نفس طويل، وأن تركّز على التواصل الدبلوماسي مع دول المنطقة والانفتاح على أي مبادرة (سياسية) قد يقوم بها الغرب»، مضيفة أنّه «من خلال التقليل من شأن الضربة، في موازاة الضغط من أجل وقف إطلاق النار، ستحاول إيران قلب الطاولة على إسرائيل وترجمة ضعفها العسكري إلى انفراجات دبلوماسية».
ويرى مدير برنامج إيران في «مجموعة الأزمات الدولية»، علي فائز، بدوره، أنّ رد إسرائيل على ضربة الأول من أكتوبر كان «أكثر قوة إلى حد كبير» من ردها على ضربة الـ13 من نيسان الماضي، قبل أن يتساءل: «هل ستستوعب طهران الضربة لمحاولة وضع حد للضربات المتبادلة، أم أنها سترفع مستوى رهاناتها مرة أخرى من خلال تنفيذ رد مضاد؟». وينطلق فائز من المزاعم الإسرائيلية حول تدمير منظومات دفاع جوي متقدّمة إيرانية، للقول إنّ «هذا الأمر يُعد بمثابة مقدّمة محتملة لضربة أكثر فعالية ضد البنية الأساسية الإيرانية، وكذلك المواقع النووية»، مدّعياً أنّ «الإيرانيين لا يملكون القدرة على استبدال هذه المنظومات الدفاعية في الوقت المناسب، الأمر الذي يجعل البلاد أكثر عرضة للهجمات في المستقبل».
ووفقاً لبعض التقارير الغربية، فإنّ جانباً من معضلة تفكير إيران بخيارات عسكرية مقبلة ضد إسرائيل، متصل بما كتب عنه الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر، في مقالة مشتركة مع السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، دانييل كورتزر، في مجلة «فورين بوليسي»، حين أشار إلى ما وصفها بمعركة «الرجولة الجيوسياسية» الدائرة بين إيران وإسرائيل، معتبراً أنّ «كلتيهما حريصتان على استعادة الردع الذي تعتقدان بأنه يمكن تحقيقه من خلال الضربات الانتقامية (ضد الخصم)، وتعزيز قدرة كل منهما على ترهيب الآخر، والحد من قوته». ويرجّح ميلر أن مبادرة إيران مستقبلاً إلى شن ضربات ضد أهداف إسرائيلية «سوف تدفع الإسرائيليين إلى توسيع بنك أهدافهم، ليشمل، في الحد الأدنى، البنية التحتية الاقتصادية»، ملمّحاً إلى أن وقوع سيناريو مماثل سوف يفضي إلى «تصعيد إقليمي من جانب إيران، بما يشمل شنها هجمات على البنية التحتية النفطية السعودية». ومن منظور محللين غربيين، فإن «المبرّرات التي تدفع إيران إلى النزول عن سلم التصعيد قوية، إلّا أنّ هناك أصواتاً قوية داخل طهران تضغط بصورة منتظمة للرد بصورة أقسى (ضد إسرائيل)، وفي مقدّمها الحرس الثوري».
أما في ما يخص حسابات إسرائيل والولايات المتحدة، فيوجزها الباحث في معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، ديفيد ماكوفسكي، بالسعي إلى أن يبتعد الصراع الإيراني - الإسرائيلي عن طوره العلني، وأن يستعيد شكله السابق كـ «حرب خفية»، معتبراً أن هذا السيناريو يشكّل «إنجازاً» لكل من واشنطن وتل أبيب، كونه يتيح لهما «عدم إنهاء العداوة مع إيران» من جهة، و»إبقاء (سقف تلك العداوة) تحت السيطرة» من جهة ثانية. ويعتقد العميد في احتياط الجيش الإسرائيلي، والنائب السابق لقائد الفرقة المولجة بالإشراف على تعزيز جاهزية القوات، أمير أفيفي، من جهته، بأنّ ما جرى فجر السبت من شأنه أن يوفّر فرصة «تاريخية» لشن ضربات أعمق في إيران في الأشهر المقبلة، مشيراً إلى أنّ الهدف الاستراتيجي لتل أبيب هو خلق واقع إقليمي جديد «لا تشكّل فيه طهران أي تهديد» لها.